فصل: في المأذون له في التجارة يدعو إلى طعامه أو يعير شيئا من ماله

صباحاً 10 :40
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة ***


في الحجر على المولى عليه

قلت‏:‏ أرأيت الذي يحجر عليه من الأحرار ممن لا يحجر عليه من هم صفهم لي‏؟‏

قال‏:‏ هم الذين لا يحرزون أموالهم ويبذرونها في الفسق والشراب وغير ذلك من السرف قد عرف ذلك منهم فهؤلاء الذين يحجر عليهم وأما من كان يحرز ماله وهو خبيث فاسق إلا أنه ليس بسفيه في تدبير ماله فان هذا لا يحجر عليه وإن كان له مال عند وصي أبيه أخذه منه‏.‏

قال سحنون‏:‏ وقد كتبنا آثار هذا وقول ربيعة فيه‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم هل يحجر على السفيه في ماله في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ وإن كان شيخا كبيرا‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ فان أعتق هذا السفيه أيجوز عتقه في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك لا يجوز عتقه إلا في أم ولده وحدها‏.‏

قلت‏:‏ لم جوز مالك عتق أم ولده وحدها‏؟‏

قال‏:‏ لأنها ليست بمال له‏.‏

قلت‏:‏ أفيجوز بيعه وشراؤه في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك لا يجوز بيعه ولا شراؤه‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى بن عباس يسأله عن خمس خلال فكتب إليه بن عباس كتبت إلي تسألني متى ينقضي يتم اليتيم ولعمري أن الرجل لتنبت لحيته وانه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف الاعطاء منها فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد انقطع عنه اليتم‏؟‏

قال‏:‏ وأخبرني بن وهب عن بن جريج قال كتب نجدة إلى بن عباس يسأله عن هذه الأشياء فقال ابن عباس لولا أن أرده عن شيء يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم فإذا بلغ النكاح وإنس منه الرشد ودفع إليه ماله فقد انقضى يتمه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت صاحب الشرط وما أشبهه أيجوز حجره‏؟‏

قال‏:‏ الذي سمعت من مالك أن القاضي هو الذي يجوز حجره‏.‏

قلت‏:‏ فرأيك‏؟‏

قال‏:‏ القاضي أحب ألي‏.‏

قلت‏:‏ أيجوز حجر الرجل على ولده وولده رجل‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك من أراد أن يحجر على ولده فليأت به إلى السلطان حتى يوقفه السلطان ويدور به في الأسواق والمواضع والمساجد‏.‏

قال ابن وهب‏:‏ وسمعت مالكا يقول في الرجل يريد أن يحجر على ولده‏؟‏

قال‏:‏ لا يحجر عليه إلا عند السلطان فيكون السلطان هو الذي يوقفه للناس أو يسمع به في مجلسه ويشهد على ذلك فمن باع أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود‏.‏

في رجل دفع إلى رجل مالا فقال المدفوع إليه كانت لي عليه سلفا وقال الدافع إليه بل أسلفتك اياها

قلت‏:‏ أرأيت لو أن رجلا قال لرجل ادفع إلى فلان عنى ألف درهم أو لم يقل عني فدفعها كما أمره ثم جاء يطلبه بها فقال الآمر كانت لي عليك دينا وقال المأمور لم يكن له علي شيء ولكن دفعتها سلفا عليك‏؟‏

قال‏:‏ القول قول المأمور‏.‏

قلت‏:‏ أتحفظه عن مالك‏؟‏

قال‏:‏ هذا رأيي والله سبحانه وتعالى أعلم تم كتاب المديان من المدونة الكبرى ويليه كتاب التفليس‏.‏

كتاب التفليس

في الرجل يقوم عليه بعض غرمائه بتفليسه

قلت‏:‏ لعبد الرحمن بن القاسم أرأيت أن كان لرجل على رجل مال فقام عليه فأراد أن يفلسه‏؟‏

قال‏:‏ ذلك له عند مالك‏.‏

قلت‏:‏ فان قال الذي عليه الدين أن علي أموالا لقوم غيب‏؟‏

قال‏:‏ لا يصدق إذا لم يكن أقر بذلك قبل التفليس فان كان أقر بذلك بعد التفليس لم يصدق إلا ببينة فان قامت له بينة بما قال عزل حظ الغيب من ماله ولم يأخذ هذا الحاضر من مال هذا الغريم إلا قدر المحاصة أو يكون قد أقر له قبل التفليس فيلزمه ذلك ويحاص به المقر له‏؟‏

قال‏:‏ وسألت مالكا عن الرجل يفلس فيقوم عليه غرماؤه فتباع أمواله ثم يقتسمون بالحصص ثم يأتي غريم لم يحاصهم كيف يرجع عليهم‏؟‏

قال‏:‏ يرجع عليهم بقدر حقه فمن وجد منهم غنيا أخذ منه بقدر ذلك ومن وجد منهم قد أعدم ولا شيء عنده لم يكن له أن يأخذ من هذا الغني إلا ما أخذ منه مما يصيبه واتبع هذا المفلس في ذمته والموت والتفليس في هذا بمنزلة واحدة‏.‏

قلت‏:‏ والواحد إذا قام بالتفليس كان ذلك له‏؟‏

قال‏:‏ لم أسمع مالكا يقول في الرجل الواحد إذا قام أنه يفلس له ولكن الرجل الواحد والجماعة في ذلك عندي بمنزلة سواء أنه يفلس له ‏(‏وقال‏)‏ عبد الرحمن وغيره من الرواة إذا قام به رجل أوقف وضرب على يديه واستقصى أمره ثم يباع له ماله وهو والميت سواء إذا كان معروفا بالدين لم يعجل بقضاء من حضر ووقف حتى يستبرأ أمره ويجتمع أهل دينه أو يعرفوا فيضرب لهم بحقوقهم فهذا أعدل روايتهم عن مالك‏.‏

ابن وهب‏:‏ وقال مالك بن أنس في الذي يغيب في بعض المخارج فيهلك فيأتي رجل فيذكر حقا على الميت فيريد أخذ حقه ويقول الورثة نخشى أن يكون عليه دين سوى هذا‏؟‏

قال‏:‏ أن كان الميت رجلا ليس معروفا بالدين قضى هذا حقه ولم ينتظر به وإن كان ممن يعد مديانا في ظاهر معرفة الناس ويخاف كثرة دينه لم يعجل بقضاء هذا حتى يستبرأ أمره‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت أن كان معه في المصر غرماؤه ففلس هذا المديان بعض غرمائه ولم يقم عليه من بقى من الغرماء وهم في المصر قد علموا به حين فلس المديان فقاموا بعد ذلك على الذين اقتضوا حقوقهم أيكون لهم أن يتبعوهم فيحاصوهم في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكن مالكا قال في الرجل يعتق عبده وعليه دين يغترق ماله فلا يقومون عليه إلا بعد ذلك وقد علموا بالعتق فلم يقوموا عليه حين أعتق فانه لا يرد لهم العتق بعد ذلك لأنهم تركوا القيام عليه حين أعتق عبده وقد علموا بذلك وكذلك مسألتك لأنهم حين تركوا أن يقوموا عليه عند ما فلس وهم حضور وقد علموا بالتفليس فقد رضوا أن يكون حقهم في ذمة الغريم في المستقبل ورضوا أن يتركوا المحاصة مع هؤلاء الذين أخذوا المال‏.‏

قال سحنون‏:‏ وقد قيل أنه يوقف لهم حقوقهم لأنه قد ضرب على يديه وأوقف ليقسم ماله والحاضر والغائب سواء إلا أن يتبين من الحاضر أنه تارك لحقه في ذمه الغريم وراض باقتضاء هؤلاء حقوقهم‏.‏

في المفلس يقر بالدين لرجل

قلت‏:‏ أرأيت أن كان على رجل دين في الصحة ببينة أو باقرار منه ثم أقر في مرضه بدين لوارث أو غير وارث أيتحاصون في ماله‏؟‏

قال‏:‏ أن أقر في مرضه بدين لوارث أو لذى قرابة أو لصديق ملاطف لم يقبل قوله إلا ببينة وإن كان إنما أقر في مرضه لأجنبي من الناس فانه يحاص الغرماء الذين ديونهم ببينة والذين أقر لهم في الصحة وهو قول مالك ولو فلس ولقوم عليه حقوق ببينة ثم أقر بعد التفليس بدين لم يقبل اقراره إلا أن تكون لهم بينة ولو أقر لقوم قبل التفليس تحاص الذين لهم عليه الدين ببينة‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن قام عليه الغرماء ففلسوه فأقر لرجل فقال له علي مائة دينار ولا يعلم ذلك إلا بقوله‏؟‏

قال‏:‏ إذا لم يكن اقراره هذا قبل التفليس فلا شيء للذي أقر له بالدين إلا أن تكون له بينة‏.‏

قلت‏:‏ ويتحاص أهل الدين في ماله هذا دون هذا المقر له‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ فان أفاد بعد ذلك مالا وقد بقى لأهل الدين بقية من دينهم أيضرب المقر له معهم لأنه ليس ها هنا موضع تهمة إنما كانت التهمة في المال الأول‏.‏

قلت‏:‏ فان أفاد مالا بعد ما فلسوه فلم يقم الغرماء ولا هذا المقر له على ما أفاد من المال حتى أقر لرجل آخر بدين أيجوز اقراره له بالدين أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى اقراره لهذا بالدين بعد التفليس جائزا إذا أقر قبل أن يقوم عليه الغرماء الأولون الذين لهم الدين ببينة والذين أقر لهم المفلس أولا على ما في يديه فيفلسونه ثانية لأن هذا الآخر الذي أقر له بعد التفليس أولى بما في يديه من الغرماء الأولين لأن ما في يديه مال حادث ‏(‏سحنون‏)‏ وذلك إذا كان قد عومل بعد التفليس الأول وباع واشترى وقد قال مالك في المفلس إذا داين الناس بعد التفليس ثم فلس ثانية فالذين داينوه بعد التفليس أولى بما في يديه من الغرماء الأولين لأن هذا ما لهم فاقراره فيما أفاد بعد ما فلس بدين فذلك جائز عليه بمنزلة ما ثبت بالبينة وإن كان ما أفاد من المال بعد التفليس الأول من صلة أو ميراث أو جناية جنيت عليه ضرب أهل التفليس الأول بما بقى لهم ومن أقر له في المال المفاد‏.‏

قلت‏:‏ ولم أجزت اقراره وأنت لا تجيز هبته ولا صدقته‏؟‏

قال‏:‏ ألا ترى أن الرجل المديان ما لم يفلس أن تصدق أو وهب أو اعتق لم يجز ذلك في قول مالك فان أقر لرجل بدين وعليه دين ببينة فاقراره جائز وكذلك قال مالك فيما أقر به قبل التفليس ما لم يفلس فكذلك إذا فلس ثم أقر بدين لرجل بعد التفليس قبل أن يفلس الثانية فاقراره جائز بمنزلة ما لو كان ببينة ولا تجوز صدقته ولا هبته ولا عطيته ولا عتقه وهو بحال ما وصفت لك من الرجل المديان إذا كان لا وفاء له‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إذا سجنه السلطان فأقر في السجن بدين لرجل أيجوز اقراره في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ إذا صنع به هذا غرماؤه ورفعوه إلى السلطان وقاموا عليه حتى سجنوه فهذا وجه التفليس ولا يجوز اقراره بالدين لأن مالكا قال إذا فلس لم يجز اقراره بالدين وكذلك قال مالك إذا قام غرماؤه عليه على وجه التفليس فلا يجوز اقراره بالدين إلا أن تقوم بينة لمن أقر له بالدين‏.‏

قلت‏:‏ ويبيع السلطان ما ظهر له من مال إذا رفعوا أمره إلى السلطان فيتوزعه الغرماء فيما بينهم بالحصص ويسجنه في الذي بقى عليه من أموالهم إذا عرف منه وجه الالداد الذي وصفت لي في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

ابن وهب‏:‏ وأخبرني إسماعيل بن عياش قال كان إبراهيم النخعي يقول في الحر يفلس أنه لا يجوز له بيع ولا عتاقة ولا صدقة ولا اعتراف بدين ولا بشيء يفعله ‏(‏وقال‏)‏ الليث بن سعد مثله ‏(‏وقال‏)‏ إسماعيل بن عياش وكان شريح يقضى به ‏(‏وقال الليث بن سعد‏)‏ وإن قضى بعض غرمائه وترك بعضا جاز له وإن رهن رهنا جاز له ذلك ما لم يقم به غرماؤه وكان بن أبي سلمة يقول هو قول مالك الأول إذا تبين فلسه ولم يقم به غرماؤه فليس له أن يقضى بعض غرمائه أو يرهنه‏.‏

لابن وهب‏.‏

الرجل يفلس وبعض غرمائه غيب

قلت‏:‏ أرأيت إذا أفلس الرجل ولقوم غيب عليه دين أيعزل القاضي أنصباءهم أم لا‏؟‏ في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم يعزل القاضي انصباءهم عند مالك‏.‏

قلت‏:‏ فان ضاع أنصباء الغيب بعد ما عزلها القاضي لهم كان ضياعها منهم‏؟‏

قال‏:‏ قال لي مالك نعم‏؟‏

قال‏:‏ وقال لي مالك ولو كان له غريم لم يعلم به ثم قدم رجع عليهم جميعا بقدر حصته فأخذ من كل رجل بقدر الذي أخذ من نصيبه الذي يصير له في المحاصة‏.‏

وتفسير ذلك لو أن رجلا أفلسه رجلان لكل واحد منهما مائة درهم ولرجل غائب عليه مائة درهم أيضا ولم يعلم بالغائب ففلسوا هذا الغريم فلم يجدوا له إلا مائة درهم فقسمت المائة بين هذين الرجلين فأخذ هذا خمسين وأخذ هذا خمسين ثم قدم الغائب وأثبت دينه فانه يصير له في المحاصة من المائة ثلاثة وثلاثون وثلث وقد أخذ كل واحد منهما خمسين فقد أخذ صاحباه فضلا على حقهما سبعة عشر درهما إلا ثلث درهم فيصير له على كل واحد سبعة عشر درهما إلا ثلثا فيقال لهما ادفعا إليه كل واحد منكما سبعة عشر درهما إلا ثلث درهم ما استفضلتماه به وهو مقدار حصته في المحاصة فان أصاب أحدهما عديما لم يكن له قبل هذا الذي أصاب مليا إلا سبعة عشر درهما إلا ثلثا لأن بقية حقه إنما أتلفه الآخر ويكون ذلك دينا على الذي أتلفه يتبعه به وهذا قول مالك ‏(‏وقال ابن القاسم‏)‏ في الرجل يمرض فيقر في مرضه بدين لأجنبي من الناس وبدين لابن له وقد ترك بنين سواه وترك مائة دينار فأقر أن للأجنبي عليه مائة دينار ولابنه عليه مائة دينار ولا مال له غير المائة دينار الابن والأجنبي يتحاصان في المائة الدينار فما صار للأجنبي أخذه وما صار للوارث فان أجازه له الورثة كان أولى به والا كان ميراثا بينهم وإنما يحاص الوارث الأجنبي من قبل أنه لا تهمة في اقراره للوارث حين لم يترك إلا المائة لأنه لو شاء أن لا يقر للأجنبي لفعل فليس للأجنبي ها هنا حجة على الميت أن يقول فر عنى بالمائة الدينار وإنما الحجة له أن لو كان دينه ببينة فأدخل عليه من يتهم عليه فيكون له حينئذ حجة وهذا الذي سمعت من قول مالك‏.‏

في المفلس يريد بعض غرمائه حبسه وتفليسه ويأبى بعضهم حبسه وتفليسه

قلت‏:‏ أرأيت أن قال بعضهم نحن نسجنه وقال بعضهم لا نسجنه ولكنا نخيله يطلب الفضل حتى يقضينا حقوقنا‏؟‏

قال‏:‏ إذا تبين الالداد للسلطان وطلب واحد من الغرماء أن يسجنه له سجنه فان شاء أولئك الذين لم يريدوا أن يسجنوه أن يقوموا على حقوقهم فيحاصوا هذا الغريم الذي سجنه في مال المسجون المطلوب فذلك لهم فان شاؤوا أخذوه وإن شاؤوا أقروه في يدي المطلوب ولا يكون للغريم الذي سجنه وأخذ حقه أن يأخذ هذا الذي رده أصحابه في يدى المطلوب وأقروه إلا أن يفيد مالا غيره أو يكون فيه ربح فيأخذ حقه من ذلك ويكون هو وهم في ذلك المال الذي يفيده أسوة فيما بقى من دينهم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا كله قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ هو قوله لي إلا قولى لك إو يربح فيما أقر في يديه فانه رأيي‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت الذي ذكرت من المحبوس في الدين إذا طلبه واحد من الغرماء بحقه فسجنه وقال بقية الغرماء نحن نخليه‏؟‏

قال‏:‏ يحاصون هذا الغريم الذي سجنه أن أحبوا ثم أن أرادوا ردوا ما صار لهم في المحاصة في يد المطلوب فكان في يديه ولا يكون للغريم الذي لم يرد إليه ما اقتضى من حقه في هذا الذي رده هؤلاء على المطلوب شيء إلا أن يفيد مالا‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن أفاد مالا والذي رد عليه الغرماء قائم في يده فأراد الذي لم يرد عليه شيئا أن يقتضى حقه مما أفاد‏؟‏

قال‏:‏ يقتضى حقه مما أفاد ولا يقبض مما رد عليه أصحابه شيئا ويحاصه أصحابه في الذي أفاده المطلوب‏.‏

قلت‏:‏ أفيحسب عليهم هذا الغريم الذي لم يرد على المطلوب ما في يد الغريم المطلوب من دينهم الذي أخذوه وردوه إليه ثم يحاصهم بما بقى لهم بعد ذلك في هذا الذي أفاد هذا المطلوب إن كان هذا الذي ردوا قائما بعينه‏؟‏

قال‏:‏ نعم كذلك هؤلاء يحاسبونه بما ردوا إليه فان كان ذلك نصف حقوقهم وكان كفافا اليوم لما ردوا إليه ذلك اليوم لأن ردهم إليه المال الذي أخذوا منه كأنه بيع حادث بايعوه فينظر إلى مبلغ الذي ردوا ما هو اليوم من حقوقهم التي ردوا فان كان أقل ضربوا بما نقص وبما بقى لهم قبل ذلك في هذه الفائدة ‏(‏سحنون‏)‏ ويحاصهم الأول الذي لم يرد إليه شيئا في ذلك بما بقى له من دينه الأول وكذلك لو ذهب ما ردوا إليه جميعه ثم أفاد مالا حاصوا الذي لم يرد إليه شيئا في هذه الفائدة بجميع دينهم ويضربون هم فيها بجميع دينهم ما ردوا إليه وما بقي لهم قبل ذلك ويضرب فيها الذي لم يرد إلى المطلوب شيئا مما بقى من جميع دينه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ رأيي‏؟‏

قال‏:‏ قال لنا مالك من شاء أن يقر حقه في يد المفلس أقره ومن شاء أن يأخذه أخذه‏؟‏

قال‏:‏ مالك وليس للذين اقتضوا أن يرجعوا فيما ترك هؤلاء في يد المفلس مما حاصوهم لأنهم بمنزلة ما داينوه به بعد التفليس ألا ترى لو أن مفلسا داينه قوم بعد التفليس أن الذين داينوه بعد التفليس أولى بما في يديه من الذين فلسوه إلا أن يكون فيما في يديه فضل عن حقوق الذين داينوه بعد التفليس الأول فكذلك الذين ردوا إليه حصصهم هم أحق بما في يديه حتى يقبضوا ما ردوا إليه إلا أن يفضل فضله فيتحاص فيها من لم يرد ومن رد بما بقي لهم عند التفليس الأول‏.‏

ومما يبين لك ذلك لو أن ما رد الذين ردوا على المفلس نقص ذلك بعد ما ردوه إليه حاصوا الغرماء بما نقص مما ردوا وبما بقي لهم من حقوقهم في المحاصة الأولى في فائدة إن كانت من هبة أو صدقة أو ميراث والهبة والصدقة والجرح والميراث في هذا بمنزلة واحدة سواء‏؟‏

قال‏:‏ وما كان من فائدة فالذين فلسوه والذين داينوه في ذلك أسوة الغرماء فيما لهم عليه من الدين قال وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ فهذا أيضا يدلك على ذلك كله‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن تجر المفلس في هذا المال الذي رده عليه غرماؤه وربح فيه أيكون هذا الربح بمنزلة الفائدة يشرع فيه جميع الغرماء‏؟‏

قال‏:‏ نعم لأن مالكا قال ما داينه الآخرون بعد الأولين فالآخرون أولى به إلا أن يفضل من دينهم فضله فيكون الأولون والآخرون يتحاصون فيه بقدر ديونهم فما أقر هؤلاء في يده بمنزلة ما لو داينه غيرهم بعد التفليس وما بقى في يديه بعد الذي أقروا في يديه فهو بمنزلة ما لو فضل في يديه بعد مداينة هؤلاء الذين داينوه بعد التفليس‏.‏

قلت‏:‏ وإنما ينظر إلى ما بقى في يديه فيقيمه قيمة أن كان عرضا فما كان فيه من فضل عن الدين الذي تركوا في يديه فذلك الفضل الذي يشرع فيه الغرماء بما بقى لهم يوم فلسه هؤلاء جميعا في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن يونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن معاذ بن جبل وهو أحد قوم بني سلمة كثر دينه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماءه على أن خلع لهم ماله‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن بن لهيعة عن عمارة بن غزية ويزيد بن أبي حبيب عن بن شهاب قال مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاذ بن جبل أن خلعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله ولم يأمر ببيعه وفي رسول الله أسوة حسنة‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن عمرو بن الحارث والليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري أنه قال أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدق عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك‏؟‏

قال‏:‏ مالك الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن الحر إذا فلس لا يؤاجر لقول الله تبارك وتعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن مالك وعبد الله بن عمر عن نافع عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزنى عن أبيه أن رجلا من جهينة كان يشتري الرواحل فيغلى بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج فأفلس فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقام عمر فقال أما بعد أيها الناس فان إلا سيفع أسيفع جهينة رضى من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج ألا وانه قد ادان معرضا فأصبح قد دين به فمن كان له عليه دين فليأتنا بالغداة حتى نقسم ما له بين غرمائه بالغداة ثم قال اياكم والدين فان أوله هم وآخره حرب‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز قضى في رجل غرق في دين أن يقسم ماله بين الغرماء ويترك حتى يرزقه الله ‏(‏الليث بن سعد‏)‏ عن يحيى بن سعيد مثل ذلك ‏(‏سحنون‏)‏ عن بن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال إذا فلس الرجل وتحاص غرماؤه ماله فمن بايعه بعد ذلك فانما بايعه في غير أموال الغرماء الذين فلسوه وإنما بايعوه في ذمته وفيما يستقبل من رزق الله وافادته فان أعدم الثانية فالذين بايعوه بعد عدمه الأول أحق بماله فيتحاصون فيه دون الغرماء الأولين إلا أن يكون عقل في ذمة أو ميراث ورثه فأما كل عمل أداره أو كان مما رجعت عليه به إلا رزاق فهو للذين بايعوه بعد عدمه لأن ذلك لهم خاصة لما خرجت فيه أموالهم لأنه لم يكن يستطيع أن يبلغ في الناس إلا بمعايشة من عايشه ومداينة من داينه وابتغائه الرزق من ربه بالادارة والتجارة فأما الذين يفلسون غريمهم فان حقوقهم تدخل في فضول أن كانت بيديه بعد قضاء حقوق الآخرين‏.‏

في الرجل يفلس ولغلامه عليه دين

قلت‏:‏ أرأيت لو أن رجلا عليه دين ولغلامه عليه دين وليس على العبد دين فقامت الغرماء عليه ففلسوه أيضرب العبد مع الغرماء بدينه‏؟‏

قال‏:‏ لا لأن العبد يباع في دين السيد فلا يضرب مع الغرماء وسيده أحق بماله منه لأن ماله له ألا ترى الحديث الذي جاء من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ لم أسمعه من مالك‏.‏

الرجل يفلس ولعبده عليه دين وعلى العبد دين لأجنبي أيضرب مع الغرماء

قلت‏:‏ أرأيت أن كان لي عبد له علي دين وعلى عبدي دين لأجنبي فقامت غرمائي علي ففلسوني أيضرب عبدي مع غرمائي بدينه الذي له علي‏؟‏

قال‏:‏ نعم ويكون غرماء العبد أولى بما ضرب به العبد وبما بقى في يديه من مال حتى يستوفوا حقوقهم وتكون رقبة العبد لغرماء السيد حتى يباع لهم في ذلك ويكون ما بقى على العبد من دين في ذمته‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم هذا قوله‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن ارتهنت جارية من رجل قيمتها خمسمائة بخمسمائة درهم أسلفتها اياه ثم جاءني بعد ذلك فقال أسلفني خمسمائة درهم أخرى فقلت لا ألا أن ترهنني جاريتك فلانة الأخرى بجميع الألف وقيمتها ألف درهم‏؟‏

قال‏:‏ مالك لا خير فيه لأنه سلف جر منفعة ألا ترى أنه أقرضه على أن زاده في سلفه الأول ذهبا‏.‏

قلت‏:‏ وكذلك لو أن رجلا أتى إلى رجل له عليه دين فقال له أنا أقرضك أيضا على أن ترهنني رهنا بجميع حقي الأول والآخر‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك لا خير فيه‏.‏

في الرجل يرهن رهنين بسلفين مختلفين أحدهما بالسلف الأول والآخر بالسلف الأول والثاني

قلت‏:‏ أرأيت الرجل يرهن رهنين بسلفين مختلفين أحدهما بالسلف الأول والآخر بالسلف الأول والثاني فوقع هذا بحال ما وصفت لك فاسدا جهلوا ذلك حتى قامت الغرماء ففلسوا المستسلف أو مات وقامت الغرماء أيكون هذا الرهن الثاني الذي كان فاسدا رهنا أم لا‏؟‏ ويكون المرتهن أولى به حتى يستوفى حقه في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن لا أراه رهنا إلا بالسلف الآخر ولا يكون الرهن في شيء من السلف الأول لأنه سلف جر منفعة ‏(‏وقال‏)‏ أشهب مثله‏.‏

الرجل يجنى جناية فيرهن رهنا ثم يفلس

قلت‏:‏ أرأيت أن جنى رجل على رجل جناية لا تحملها العاقلة فرهنه بتلك الجناية رهنا وعليه دين يحيط بماله وهذا قبل أن تقوم عليه الغرماء فقامت عليه الغرماء ففلسوه فقال الغرماء أن هذا الرهن الذي رهنته من صاحب الجناية إنما هو أموالنا وإنما دين صاحب الجناية مني غير بيع ولا شراء ولا قرض ولا يكون له الرهن دوننا ونحن أولى به فهل تحفظ من مالك فيه شيئا‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك في الرجل يجنى جناية لا تحملها العاقلة ثم يقوم الغرماء عليه فيفلسونه أن صاحب الجناية يضرب بدينه مع الغرماء فأرى الرهن جائزا للمرتهن المجنى عليه على مثل هذا القول‏.‏

في المفلس يكون عليه دين حال ودين إلى أجل

قلت‏:‏ أرأيت المفلس إذا كانت عليه ديون إلى أجل وعليه ديون قد حلت ففلسه الذين قد حلت ديونهم أيكون للذين لم تحل ديونهم عليه أن يدخلوا في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم ولكن ما كان للمفلس من دين إلى أجل على الناس فهو إلى أجله‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت المفلس إذا كانت عليه ديون للناس إلى أجل أتحل إذا فلس في قول مالك أم لا‏؟‏ قال‏:‏ إذا فلس فقد حلت ديونهم عند مالك‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن فلس هذا المفلس وله ديون على الناس أتباع ديونه الساعة نقدا في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ أفلا ينتظر به ويتلوم له حتى يقبض دينه ويوفيهم‏؟‏

قال‏:‏ قد حل دين الغرماء فذلك إلى الغرماء أن شاؤوا أخروه وإن شاؤوا لم يؤخروه‏.‏

قال ابن وهب‏:‏ قال مالك من مات أو فلس فقد حل دينه وإن كان إلى أجل‏.‏

قال ابن وهب‏:‏ وأخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثله‏.‏

قال ابن وهب‏:‏ وأخبرني يونس أنه سأل بن شهاب عن رجل كان عليه دين إلى أجل فمات قال ابن شهاب مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات ولأنه لا يكون ميراث إلا بعد قضاء الدين‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن يونس وعبد الجبار عن ربيعة أنه قال من مات فقد حل الدين الذي عليه ولا يؤخر الغرماء بحقوقهم إلى ذلك الأجل‏.‏

ابن وهب‏:‏ وعن شريح الكندي وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين مثله‏.‏

في الرجل يفلس وله زرع مرهون

قال عبد الرحمن بن القاسم‏:‏ ولو فلس رجل أو مات وقد ارتهن منه رجل زرعا لم يبد صلاحه قال يحاص الغرماء بجميع دينه في مال المفلس أو الميت واستوفى بالزرع فإذا حل بيعه بيع ونظر إلى قدر الدين وثمن الزرع فان كان كفافا رد ما أخذ في المحاصة وكان بين الغرماء وإن كان ثمن الزرع لا يبلغ دينه نظر إلى ما بقي من دينه بعد مبلغ ثمن الزرع وإلى دين الميت أو المفلس فضرب به مع الغرماء في جميع مال المفلس أو الميت من أوله فيما صار في يديه وأيدي الغرماء فما كان له في المحاصة أخذه ورد ما بقى فصار بين الغرماء بالحصص‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم هو قوله فيما بلغني‏.‏

في المفلس يريد أن يتزوج بعد ما فلس

قلت‏:‏ أرأيت المفلس أيكون له أن يتزوج بعد ما فلسوه‏؟‏

قال‏:‏ أما في المال الذي فلسوه فيه فلا يكون له أن يتزوج فيه وأما فيما يفيد بعد ذلك فله أن يتزوج فيه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ هذا رأيي ‏(‏سحنون‏)‏ وقد بينا آثار هذا قبل هذ‏.‏

باب الموهوب له الهبة يفلس والهبة بعينها في يده قد تغيرت بزيادة أو نقصان

قلت‏:‏ أرأيت أن وهبت هبة للثواب فتغيرت الهبة في يد الموهوب له بزيادة بدن أو نقصان ففلس الرجل والهبة عنده فقام عليه الواهب فقال أنا أولى بهبتي‏؟‏

قال‏:‏ ذلك له في قول مالك بن أنس إلا أن يرضى الغرماء أن يعطوه قيمة الهبة فيكونون أولى بها‏.‏

فيمن باع سلعة من رجل فمات المشتري فوجد البائع سلعته بعينها ولم يدع الميت مالا سواها

قلت‏:‏ أرأيت من مات وعليه دين وقد اشترى سلعة وهي قائمة بعينها أيكون الغرماء وهذا الرجل الذي باع هذه السلعة أسوة الغرماء في هذه السلعة إذا لم يدع الميت مالا سواها‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ وإنما يكون أولى بسلعته إذا أدركها من الغرماء في التفليس لا في الموت في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن مالك والليث وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز حدثه أن أبا بكر بن عبد الرحمن حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره‏.‏

قال ابن وهب‏:‏ وأخبرني مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به فان مات المشترى فصاحب المتاع أسوة الغرماء‏.‏

قال ابن وهب‏:‏ وسمعت من أرضي به يقول سمعت من أدركت من علمائنا يقولون من باع سلعة من رجل فأفلس المبتاع فصاحب السلعة أحق بها إذا وجدها قائمة بعينها إلا أن يعطى ثمن سلعته كاملا ليس له النماء ‏(‏وقال ابن وهب‏)‏ وسمعت الليث يقول ذلك‏.‏

في الرجل يبتاع الجارية أو الشاة من الرجل فتلد أولادا ثم تموت الأم ويفلس المشتري

قلت‏:‏ أرأيت لو أن رجلا باع من رجل جارية فولدت عنده أولادا فماتت الأم ثم أفلس الرجل‏؟‏

قال‏:‏ مالك أن أحب أن يأخذ ولدها بجميع ماله كان ذلك له وأن أبي أسلمهم وكانوا أسوة الغرماء وأن أراد أخذهم فقالت الغرماء نحن نؤدي الدين الذي لك عليه من ثمن هذه الجارية كله ونأخذ الولد فذلك لهم‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن بعت من رجل غنما فولدت عنده أولادا أو حلب منها فاتخذ سمونها وجبنها وجز أصوافها ثم أفلس فجاء صاحب الغنم البائع فقال أنا آخذها وما جز من أصوافها وما اتخذ من لبنها وآخذ أولادها‏؟‏

قال‏:‏ قول مالك أن أصوافها وألبانها غلة ليس للبائع من ذلك شيء وأما أولادها فله أن يأخذها مع الأمهات لأن مالكا قال لي في الزكاة أن أصواف الغنم فائدة‏؟‏

قال‏:‏ بن القاسم والأولاد عند مالك ليست بفائدة وهي مثل رقاب الأمهات ألا ترى لو أن رجلا اشترى وليدة فولدت عنده ثم أصاب بها عيبا ردها وولدها وما استغل منها لم يكن عليه أن يرده ولو أنه آجرها ترضع فأخذ لذلك أجرا لم يكن عليه أن يرده معها إذا أصاب بها عيبا فاللبن في جميع ما وصفت لك والصوف فائدة إلا ما كان على ظهور الغنم إذا كان الصوف قد تم على ظهورها يوم اشتراها وكذلك الثمرة تكون في رؤس النخل حين اشترى النخل قد أبر فيوجد بالنخل عيب فيريد ردها وقد جد الثمرة فليس له أن يرد النخل دون الثمرة ‏(‏سحنون‏)‏ وقال أشهب في النخل إذا جد الثمرة فهي غلة وليس عليه ردها وقال في الصوف كذلك‏.‏

في المساقى والراعي والصناع يفلس من استعملهم

قال‏:‏ وقال مالك كل من استؤجر في زرع أو نخل أو أصل يسقيه فسقاه ثم فلس صاحبه فساقيه أولى به من الغرماء حتى يستوفى حقه وإن مات رب الأصل أو الزرع فالمساقى أسوة الغرماء‏؟‏

قال‏:‏ مالك ومن استؤجر في ابل يرعاها أو يرحلها أو دواب فهو أسوة الغرماء في الموت والتفليس جميعا وكل ذي صنعة مثل الخياط والصباغ والصائغ وما أشبههم فهم أحق بما في أيديهم من الغرماء في الموت والتفليس جميعا وكل من تكورى على حمل متاع فحمله إلى بلد من البلدان فالمكرى أحق بما في يديه من الغرماء في الموت والتفليس جميعا‏؟‏

قال‏:‏ فقلت لمالك فحوانيت يستأجرها الناس يبيعون فيها الامتعات فيفلس مكتريها فيقول أهل الحوانيت نحن أحق بما فيها حتى نستوفي كراءنا ويقول الغرماء بل أنتم أسوة‏؟‏

قال‏:‏ هم أسوة الغرماء وإنما كراء الحوانيت عندي بمنزلة رجل تكارى دارا ليسكنها فأدخل فيها متاعه وعياله ورقيقه أفيكون صاحب الدار أولى بما فيها من المتاع من الغرماء أو لا يكون أولى وليس هذا بشيء وهو أسوة الغرماء‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن أكرى رجل ابله فأسلم الإبل إلى المتكارى فمات المتكارى أو فلس ولم يدع مالا إلا حمولته التي حمل على الابل أيكون الجمال أسوة الغرماء أم يكون أولى بها‏؟‏

قال‏:‏ الجمال أولى بها‏.‏

قلت‏:‏ لم ولم يسلم إلى الجمال المتاع وإنما كان الذي أسلم إليه المتاع أولى به لأنه بمنزلة الرهن في يديه‏؟‏

قال‏:‏ ليس الذي قال لنا مالك إنما هو من أجل أنه أسلم المتاع إليه إنما هو من أجل أنه إنما بلغ إلى ذلك الموضع على ابله‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ ألا ترى أن الجمال بعينه لو كان في الابل وكان معه رب المتاع أو الجمال أولى به حتى يستوفى حقه فهذا يدلك على مسألتك‏؟‏

قال‏:‏ مالك والجمال بمنزلة الصناع غاب رب المال أو حضر‏.‏

ابن وهب‏:‏ عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال إذ أفلس الرجل وله حلي عند صائغ قد صاغه له كان هو أولى بأجره ولم يحاصه الغرماء بمنزلة الرهن في يديه‏.‏

الرجل يفلس وله أم ولد ومدبرون لهم أموال فيريد الغرماء أخذ أموالهم

قال ابن القاسم‏:‏ وسألت مالكا عن الرجل يفلس وله أم ولد ومدبرون ولهم أموال أفتري أن يجبره الغرماء على أخذ أموالهم‏؟‏

قال‏:‏ مالك ليس ذلك لهم أن يجبروه على أخذ أموالهم في أداء دينه حين أفلس ولا يكون ذلك للغرماء‏؟‏

قال‏:‏ مالك ولو أراد أن يأخذ أموالهم على غير هذا الوجه أخذها وإن أراد أن يأخذها لنفسه فان ذلك له‏؟‏

قال‏:‏ مالك ولو أراد أن يأخذه هو فيقضى دينه من غير أن يجبره الغرماء على ذلك لم أمنعه من ذلك‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أم الولد إذا كان لها مال أيكون لسيدها أن يأخذ ذلك المال منها وقد قلتم في قول مالك أنه ليس لسيدها فيها إلا الاستمتاع منها ببضعها‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك نعم له أن يأخذ مالها ما لم يمرض أو يفلس لغريم فليس للغرماء أن يأخذوا مالها ولا يجبر السيد على أخذه والمدبر والمدبرة بتلك المنزلة‏؟‏

قال‏:‏ فقلنا لمالك فالمعتق إلى سنين ألسيده أن يأخذ ماله‏؟‏

قال‏:‏ نعم ما لم يتقارب ذلك‏؟‏

قال‏:‏ فقلت لمالك فان بقيت سنة‏؟‏

قال‏:‏ له أن يأخذه ما لم يتقارب ذلك أو يمرض ولم ير السنة قريبا‏.‏

قلت‏:‏ ما حجة مالك في هذا حين قال إذا مرض فلا يأخذ مال أم ولده ولا مدبرته‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك لأنه يأخذه لغيره إنما يأخذه لورثته وقد أشرف هؤلاء على عتقهم والذي يفلس فلا يجبر الغرماء السيد على أن يأخذ مالهم لغيره ولو أراد أن يأخذه من غير أن يجبره الغرماء على أخذه فان أراد ذلك كان ذلك له يأخذه ويقضى به دينه وإنما الذي لا يكون له ذلك إن أراد الغرماء أن يلزموه ذلك فليس ذلك لهم وكذلك قال مالك‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن مرض ففلس وهو مريض أيأخذ مال المدبر الغرماء أم لا‏؟‏ وانه لو مات سيده ولم يدع مالا يعتقه وماله للغرماء‏؟‏

قال‏:‏ لا أرى أن يأخذ ماله إلا أن يموت سيد المدبر فيباع بماله لأن مالكا قال لي لا يؤخذ مال هذا المدبر للغرماء فالصحة والمرض عندي سواء‏.‏

في العبد يفلس ولسيده عليه دين

قال‏:‏ وقال مالك يجوز مبايعة الرجل عبده المأذون له في التجارة ويكون دين السيد دينا يحاص به الغرماء‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت المكاتب إذا مات وعليه دين للناس ودين لسيده أيكون للسيد أن يضرب مع الغرماء بدينه‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك أن كان دينه من غير كتابته فانه يضرب بذلك الدين مع الغرماء وإن كان دينه من الكتابة لم يضرب به مع الغرماء‏.‏

في دين المرتد

قلت‏:‏ أرأيت أن ارتد الرجل وهرب إلى دار المشركين ولرجل عليه دين فغزا المسلمون تلك الدار فقاتل ذلك الرجل مع المشركين فقتل فظهر المسلمون على ماله فقام الغريم يطالب بحقه‏؟‏

قال‏:‏ ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى دينه في مال الغريم المرتد المقتول ولا يقع في المقاسم حتى يستوفى هذا الغريم حقه فإذا استوفى حقه كان ما بقى بعد ذلك في المقاسم‏.‏

كتاب المأذون له في التجارة

في المأذون له في التجارة

قلت‏:‏ لعبد الرحمن بن القاسم أرأيت أن أذنت لعبدي في نوع من أنواع التجارة أيكون له أن يتجر في غير ذلك النوع‏؟‏

قال‏:‏ ما سمعت من مالك فيه شيئا الا أنه إذا خلى بينه وبين الشراء والبيع فهذا يلزمه ما داين الناس به من جميع أنواع التجارات في ذمته وهذا يتجر فيما شاء لأنه قد أقعده للناس فيما يدرى الناس لأي أنواع التجارات أقعده فيلزمه ما داين الناس به من جميع أنواع التجارة في ذمته‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أن أقعده قصارا أو أمره أن يعمل القصارة أيكون مأذونا له في التجارة في جميع التجارات‏؟‏

قال‏:‏ ليس بمأذون له ولا يشبه هذا البزازين لأن هذا عامل بيديه وقد عرف الناس حال هذا وأن هذا لم يأمر الناس بمداينته‏.‏

في العبد المأذون له يبيع بالدين

قلت‏:‏ أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا باع سلعة ثم أخر بالثمن أيجوز ذلك أم لا‏؟‏ قال‏:‏ قال مالك في الرجل يكون ببعض البلدان يجهز إلى عبده ببلد أخرى فيبيع العبد‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك إذا باع فوضع من الثمن عن المشتري أن لهذا وجوها فأما العبد المفوض إليه الذي يريد بذلك استئلاف الناس إليه في تجارته مثل ما تصنعون فيخفف عنهم أو لا يربحون فيربحهم يريد بذلك استئلاف الناس إليه أن ذلك جائز وأما ما كان على غير هذا ولا يعرف له وجه فان ذلك لا يجوز‏؟‏

قال‏:‏ مالك وكذلك الوكيل‏؟‏

قال‏:‏ فقيل لمالك الرجل يوكل الرجل يبيع بعيره في السوق أو جاريته فيجب البيع ثم يسألونه الوضيعة فيضع‏؟‏

قال‏:‏ مالك ليس ذلك له ولم يره مثل ما وصفت لك فالعبد المأذون له الذي سألت عنه إذا صنع ما يصنع التاجر فان ذلك جائز عندي‏.‏

في المأذون له في التجارة يدعو إلى طعامه أو يعير شيئا من ماله

قلت‏:‏ أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا دعا إلى طعامه أو أعار بعض ثيابه أو أعار دابته أيجوز هذا له أم لا‏؟‏ قال‏:‏ سئل مالك عن العبد يكون له المال الواسع من الرقيق أو غير ذلك فيولد له فيريد أن يعق عن ابنه ويصنع له صنيعا ويطعم عنه أترى ذلك له‏؟‏

قال‏:‏ لا الا أن يكون يعلم أن أهله لا يكرهون ذلك‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت العبد المأذون له في التجارة أو غير المأذون له في التجارة إذا كان لهما مال أيجوز لهما أن يعيرا شيئا من أموالهما بغير إذن السيد في قول مالك‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك لا يجوز للعبد أن يعطى شيئا من ماله بغير إذن سيده مأذونا له في التجارة أو غير مأذون له في التجارة فأرى العارية بهذه المنزلة‏.‏

قلت‏:‏ ولا يجوز للعبد أن يصنع طعاما فيدعو إليه الناس‏؟‏

قال‏:‏ نعم لا يجوز له ذلك في قول مالك الا أن يأذن سيده الا أن يكون عبدا مأذونا له في التجارة فيصنع ذلك ليجتر به إليه المشتري منه فيكون ما صنع إنما يطلب بذلك منفعة في شرائه وبيعه فيكون هذا من التجارة فهذا هو جائز عندي‏.‏

في المأذون له في التجارة يستهلك الوديعة

قلت‏:‏ أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا استودعه الرجل وديعة فاستهلكها أيكون ذلك دينا عليه‏؟‏

قال‏:‏ قال مالك ذلك في ذمته‏.‏

قلت‏:‏ وليس للسيد أن يسقط ذلك من ذمته‏؟‏

قال‏:‏ نعم ليس له أن يسقط ذلك من ذمته والدين لازم له في ذمته‏.‏

قلت‏:‏ ولم وهذا إنما استودعته والوديعة ليست من التجارة‏؟‏

قال‏:‏ كذلك قال مالك أنها في ذمته‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت عبد الرجل إذا استدان دينا ولم يؤذن له في التجارة‏؟‏

قال‏:‏ لا يتبعه بشيء من ذلك الا أن يعتق يوما ما فيتبعه في ذمته الا أن يكون سيده قد فسخ ذلك عنه وأعلن به لأن مالكا قال في العبد ما استودعه الناس وائتمنوه عليه وكل ما أتاه الناس فيما بينهم وبينه طائعين فان ذلك يكون في ذمته ولا يكون في رقبته إذا كان مأذونا له في التجارة وليس للسيد أن يفسخ ذلك عنه والمحجور أولى أن يكون ذلك الا في ذمته الا أن يفسخ ذلك السيد لأن الدين إذا ثبت في الذمة فهو عيب وليس من داينه بغير إذن سيده أن يوجب في رقبته عيبا وهو الذي أضاع ماله‏.‏